البث الحي

الاخبار : أخبار ثقافية

مسرحية الفيرما

مسرحية « الفيرمة » : عندما تحيد السياسة عن مبادئها وتتدحرج إلى مستوى « الفجور »

يُلاحظ المتابع لأعمال المخرج المسرحي غازي الزغباني أن عمله الجديد « الفيرمة » (إنتاج لارتيستو) هو تتمة لمسرحية سابقة اشتغل عليها سنة 2014 هي « بلاتو » (إنتاج المسرح الوطني التونسي)، والتي سلّط من خلالها الضوء عن تلاعب الميديا بعقول وعواطف الناس وتضليل الرأي العام وتلميع الفساد السياسي.
وغير بعيد عن موضوع مسرحية « بلاتو »، يلقي غازي الزعباني دائرة الضوء في مسرحية « الفيرمة » على ما يصطلح تسميته ب « العهر » أو « الفجور » السياسي، وذلك عندما يحيد العمل السياسي عن مبادئه ومناقضة السلوك الأخلاقي والابتعاد عن التنافس النزيه في دخول غمار الانتخابات. وتمّ تقديم مسرحية « الفيرمة » أو ما يعبّر عنها باللغة العربية الفصحى « الضيعة »، مساء أمس الثلاثاء بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، خلال الافتتاح الرسمي للدورة الأولى من المهرجان الوطني للمسرح التونسي (7 – 14 نوفمبر 2023).
ويتقمّص شخصيات العمل الممثلون محمد حسين قريّع وإباء حملي ويسرى الطرابلسي وأسامة غلام وكذلك غازي الزغباني (مخرج المسرحية).
تدور أحداث المسرحية على مدى 70 دقيقة حول رجل ثري ذو نفوذ وتأثير كبير في المشهد السياسي، يتعرّض لحملة كبيرة من الانتقادات والتشكيك على شبكات التواصل الاجتماعي تقودها ميساء الناشطة الحقوقية التي تدير صفحة على فايسبوك مختصة في كشف ملفات الفساد ويتابعها عدد كبير من الناس، الأمر الذي يتعارض مع طموحات هذا الرجل الذي ينوي دخول غمار الانتخابات، فيُقدم على اختطافها وإخفائها في قبو داخل ضيعته بعيدا عن الأعين.
ويبدو اهتمام المخرج بالسينوغرافيا جليا، حيث شكلت العناصر السينوغرافية على الركح 5 غرف منفصلة وقبوٍ، وكل غرفة مختلفة عن نظيرتها وتحوي شخصية من شخوص المسرحية: « الأمجد » رب العائلة وسياسي يستعدّ لخوض غمار الانتخابات الرئاسية وهو شخصية مستبدة عنيفة متسلطة، ثم غرفة المومس « فارحة » وغرفة « الطيب » اليد اليمنى لرئيس العائلة وعصاه الغليظة، ثم غرفة « ميساء » الناشطة الحقوقية والثائرة ضد الظلم والفساد، وأخيرا غرفة « مجدي » الفنان الموسيقي المتقوقع على نفسه والخائف من بطش سلطة « الأمجد ».
ولعب المخرج، في استخدام تقنية الإنارة، على متناقضين اثنين هما ثنائية الضوء والظلمة في آن واحد لتشكيل الغرف والممرات والقبو، حتى يُظهر حالة العزلة والانفراد التي تعيشها الشخصيات من ناحية، ولإبراز حجم المعاناة النفسية والتوتر القائم بين « السياسي المستبد » والشخصيات الثلاثة « الفنان » و »الناشطة الحقوقية » و »المومس » من ناحية أخرى، إلى جانب إلقاء الضوء على الممارسة السياسية البشعة والمؤامرات والدسائس التي تحاك في هذه الغرف المظلمة إلى حد ممارسة كل أشكال التعذيب على الآخر من أجل الوصول إلى السلطة.
وينتقد غازي الزغباني بشدة تدحرج العمل السياسي إلى مرتبة « العهر » و »الفجور » مجسّدا إياه في مشهد اغتصاب السياسي للناشطة الحقوقية، حيث حاد الصراع السياسي عن أهدافه المُثلى في اقتراح البرامج والتصورات التنموية، وأصبح هذا الصراع بين الأطياف السياسية حياكة للدسائس للانفراد بالسلطة. ففي السلطة داخل الدولة التي يشبهها الزغباني ب »الفيرمة » لا مكان للقيم الإنسانية ولا مجال للاستقامة والوفاء، فمن أجل الوصول إلى سدة الحكم قد يضحي السياسي بأقرب الناس إليه.
وجاء حضور المرأة في هذا العمل محملا بالدلالات العميقة، حيث جعلها المخرج ثائرة، مقاومة وصامدة في وجه الفساد والظلمات السياسية، فكانت المرأة الأمل في الخروج من القبو المظلم والتخلص من الفجور السياسي عندما تتحد بالفكر والثقافة التي تصبح مصدر وعي للناس لا مصدرا للإلهاء والابتذال، وهو ما تبرزه نهاية المسرحية عندما تغلّب الفنان على خوفه وعزلته وقام بإخراج الناشطة الحقوقية من القبو وتخلصا من السياسي الفاسد.

بقية الأخبار

اتصل بنا

النشرات-الاخبارية

podcast widget youtube

تابعونا على الفايسبوك

spotify podcast widget

مشروع-اصلاح

moudawna

mithek

tun2

talab

maalouma