البث الحي

الاخبار : أخبار ثقافية

نعمة

المطربة الكبيرة نعمة دخلت عالم الفن صدفة وتربعت على عرش النجومية

 

لبوابة الاذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي

السيدة نعمة من اشهر المطربات التي عرفتها الساحة الموسيقية التونسية في وقت كانت تعج فيه بأكبر الأصوات على غرار: مطربة تونس او الأيقونة صليحة وفتحية خيري وهناء راشد وعلية وغيرهن …وبفضل ما اوتيت من مواهب تمكنت نعمة ان تحتل مكانا عن جدارة بينهن … اسمها الحقيقي حليمة بنت العروسي بن حسن الشيخ ووالدتها السيدة خديجة بنت بوبكر، ولدت بمدينة ازمور بالوطن القبلي. كان والدها مغرما بالفن ويهوى حضور الحفلات والأعراس والجلسات الفنية، لأنه يحفظ  العديد من الأغاني ، فقد دأب على ترديد بعضها  في الحفلات الخاصة، وكان مناضلا من الرعيل الأول حيث شارك في الحركة التحريرية، والقي عليه القبض العديد من المرات وزج به في السجن… وتشاء الاقدار ان انفصل والدها عن والدتها وعمر نعمة ستة اشهر فانتقلت والدتها للسكنى بالعاصمة قرب أخيها حميدة، والملقب بـ « الشلواش » وتحديدا بنهج الديوان .

وفي مقال كتبه الصحفي الطاهر المليجي في ركن  » أعلام الأغنية التونسية  ونشر على أعمدة مجلة الإذاعة  بتاريخ 23 مارس 2003 قال:التحقت حليمة بكتاب سيدي عبد القادر وتفوقت على أقرانها في حفظ السور القرآنية ، ثم انقطعت عن التعليم في سن مبكرة لتكون إلى جانب والدتها في كل شيء فتلقت عنها أصول الفتاة المثالية. كما دأبت على الاستماع إليها وهي تغني وكانت ذات صوت عذب وتمتلك مخزونا غنائيا من الموروث الشعبي الشيء الكثير، وقد حفظت عنها عدة أغان مثل « أم القد طويلة صالحة » وأغنية « مكحول أنظار ».

إلى عالم الفن …

من حسن الصدف أن كان السيد البشير الرصايصي رائد صناعة الاسطوانات في تونس يسكن بنهج الباشا، القريب من نهج الديوان ، فتسنى لنعمة أن تتعرف على عائلته وأصبحت تزورهم باستمرار و هناك اكتشفت عالما آخر وهو عالم الفن الجميل ، حيث كان أغلب المطربين على الساحة يرتادون السهرات التي تقام في بيته مثل صليحة وعلي الرياحي والصادق ثريا وحسيبة رشدي وفتحية خيري. واكتشفت نعمة أن البشير الرصايصي خصص إحدى غرف منزله لتكون « أستوديو » للتسجيل ، فتمكنت في ظرف زمني وجيز من أن تكون علاقات وتحفظ العديد من الأغاني وتربط مستقبلها بالفن .

زواج مبكر وحياة غير مستقرة…

 ويضيف الطاهر المليجي في المقال : تزوجت نعمة في سن مبكرة من السيد العابد الدرويش وأنجبت « هشام » و »طارق » و »هندة » التي اهدتها في ما بعد أغنيتها الشهيرة « هندة هندة زي الوردة » التي كتب كلماتها الشاعرعبد المجيد بن جدو ووضع الحانها الشاذلي…وأضاف صاحب المقال : وعلى المستوى العائلي لم تكن نعمة سعيدة في حياتها الزوجية  ، خاصة من حيث السكن إذ كانت تقطن مع عائلة زوجها كثيرة العدد . وبعد ان صبرت اكثر مما يطاق وجدت متنفسا تمثل في حضور أفراح العائلات القريبة والبعيدة حتى أنها تجرأت وأصبحت تغني مما حفظته عن والدتها، ليشهد لها الجميع بجمال الصوت .

مفاجأة غير سارة…

وصادف ان سمع بها احد فاعلي الخير، فاقترح عليها الغناء في سهرة فنية تعود مداخيلها لفائدة المكفوفين فوافقت على الفور دون علم زوجها. وخلال حضورها علمت  بان الفرقة المصاحبة هي « فرقة العصر » والتي يقودها عازف القانون الشهير حسن الغربي وستغني في الحفل المطربة المشهورة « علية » آنذاك والثانية « ناريمان ».استعدت نعمة للغناء وهي ترتجف من الرهبة وكانت تعتزم أداء « أنا قلبي ليك ميال » لفائزة احمد  و »اسهر وانشغل أنا » لنجاة الصغيرة  ولكنها فوجئت بالأغنية الأولى تؤديها ناريمان والأغنية الثانية تؤديها علية. فقررت نعمة تغيير البرنامج، وصعدت وغنت « حبيبي لعبته » للموسيقار محمد عبد الوهاب ، ففوجئ بها الجمهور القليل، وصفق لها طويلا…

المنعرج الحاسم …

وبعد ذلك الحفل أصبح اسم نعمة على كل لسان إلى أن علم زوجها بالحكاية . وعندما واجهها وحاول إقناعها عن العدول عن اتباع طريق الفن ،إلا انه فوجئ بتغيير كلي في مجرى تفكيرها إذ اصبح حديثها موجها كليا للفن ، وأعلمته أنها اتخذت قرار الدخول إلى الرشيدية معقل الفن التونسي ورجته أن يساعدها  على ذلك الدخول وبعد اخذ ورد وافق الزوج على مضض حتى لا يخسرها كزوجة … لتواصل هذا الطريق الجديد …و في الرشيدية التقت نعمة بالشاعر الغنائي المعروف بلحسن بن شعبان، صاحب الأغاني المشهورة مثل: « يا خدود التفاح » و »ربي اعطاني كل شيء بكماله » للراحلة صليحة  و »جسمي بعيد عليك » لفتحية خيري و » تعرفني انعاني وتعمل بلعاني » لحسيبة رشدي…فروت له حكايتها وسر غرامها بالفن ، فقدمها للفنان الشيخ خميس ترنان وللموسيقار الدكتور صالح المهدي اللذان استمعا إليها وأعجبا بصوتها وقوبلت بالترحاب الشديد.

المصير المحتوم والنجاح السريع …

سعدت حليمة بالخبر وأعلمت زوجها بذلك الذي رفض قطعيا مواصلة الطريق وخيرها بين الفن أو الانفصال ، فلم تجد سوى الخيار الثاني لتدخل عالم الفن من الباب الكبير ، وقد اسماها الاستاذ صالح المهدي  » نعمة » تماما مثلما أطلق اسم « علية » على زميلتها بية الرحال ولحن لها أغنية  » الليل اه ياليل  » وهي من كلمات الفنان المبدع محمد الجموسي ويقول مطلعها  : « الليل اه يا ليل اه يا ليل جيت نشكيلك ونبوحلك بدمعتي وأنيني » … وكانت تلك الاغنية طالع خير عليها خاصة وأنها ادتها بإحساس مرهف ساهم في انتشارها خاصة لدى جمهور مستمعي الإذاعة الوطنية التونسية التي كانت تبثها باستمرار وفي أوقات مختلفة  وهو ما جعل المطربة نعمة تحقق نجاحات باهرة وفي فترة وجيزة ، وقد أصبحت بعد ذلك مطلوبة في الحفلات الخاصة والعامة ، وأول ظهور لها كان في  » صالة الفتح  » بباب سويقة في شهر رمضان المعظم في الأربعينات من القرن الماضي ، مع « ملك الكمان » الشهير رضا القلعي صاحب » فرقة المنار » الموسيقية

نعمة وألفية القاهرة …

   وفي مقال نشره الصحفي عبد المجيد الساحلي ونشرته « مجلة الإذاعة والتلفزة التونسية »  وهو الذي رافق الوفد الي مصر قال : كانت الفنانة نعمة ضمن الوفد التونسي الذي شارك في ألفية القاهرة  وترأسه الإذاعي والديبلوماسي حمادي الصيد  والمتركب خاصة من فرقة الإذاعة للموسيقى وقائدها علي السريتي والفنان مصطفى الشرفي والفنان احمد حمزة والفنانة علية والمذيع خالد التلاتلي وقد أعجب المصريون وخاصة كوكب الشرق أم كلثوم خاصة بنشيد  » تحية لمصر  » الذي كتبه جلال الدين النقاش ولحنه صالح المهدي وأداه الثلاثي علية ونعمة واحمد حمزة ، كما تفاعلت مع  معزوفات  » ملك الكمان »  رضا القلعي وتطويعه الجيد  » لآلة الكمان »  ورقصات الفنانتين زينة وعزيزة الشعبي مرفوقتين بالهادي حبوبة الذي كان يعزف على آلة  » الدف  »  آنذاك واللوحة الاستعراضية للفنان محسن المساكني الذي كان يرقص وهو يحمل مجموعة من القلال فوق رأسه .

نعمة في الصحافة المصرية …

ومن الأشياء التي لم تكن تتوقعها المطربة نعمة هو الاهتمام الكبير بها من قبل كبار الصحافيين على غرار الأديب والشاعر الكبير صالح جودت الذي كتب عنها في مجلة « الكواكب المصرية » مقالا مطولا أهم ماجاء فيه : الواقع إنني لم أكن اعرف في تونس هذه الثروة الفنية الكبيرة وهذه الطاقة الضخمة من الألوان الغنائية ، ولاسيما صوت المطربة العظيمة السيدة نعمة التي تتميز فوق عذوبة الصوت بالحركة والحيوية على المسرح وبالتعبير الثري على قسمات الوجه وبالقدرة الفائقة في تحريك الجماهير وعلى الكثير من مطرباتنا أن يتعلمن من نعمة هذه الخصائص، لان الغناء ليس مجرد عذوبة في الصوت  وإنما عذوبة الصوت لابد لها من إطار فاخر كإطار نعمة حيث يتلألأ الأداء الحي …

حفل قرطاج والمفاجأة السارة …

في صائفة سنة 1989 افتتحت السيدة نعمة مهرجان قرطاج الدولي  ، وكنت انا كاتب هذا المقال من بين الحاضرين فيه ومن بين المفاجآت السارة والتي لم تكن تتوقعها  المطربة نعمة هو صعود زميلتها وصديقتها السيدة علية على ركح المسرح الأثري بقرطاج فتعانقتا طويلا ووقف الجمهور ليلتها ليصفق بحرارة لتلك اللقطة المعبرة بين المطربين النجمتين … وبعد وفاة المطربة علية وفي مكالمة هاتفية جمعتني بالسيدة نعمة وفي شهادة لها نشرت على أعمدة « مجلة الاذاعة والتلفزة  » مارس 1990 قالت : كان ذلك آخر لقاء بيننا ، فلكل منا مشاغله وحياته الخاصة ، وقد تأكدت أنها بتلك المفاجأة على ركح قرطاج وأمام ذلك الجمهور العريض ، وكأنها جاءت لتودعني وتودع جمهورها الوداع الأخير .

تونس تغني نعمة …

في بادرة هي الأولى من نوعها احتضن المسرح البلدي بالعاصمة يوم الثلاثاء 8 افريل 2014 سهرة تكريم المطربة الكبيرة السيدة نعمة بحرص من وزير الثقافة انذاك الدكتور مراد الصقلي وبتنسيق عام من الشاعر الكبير رضا القلعي ( رحمه الله) وكان عنوان السهرة  » تونس تغني نعمة » وقد أثثت فقراته الغنائية مجموعة من الفنانين المخضرمين والشبان الذين أدوا أغانيها المعروفة على أنغام الفرقة الوطنية للموسيقى التي قادها « المايسترو » محمد الأسود وهم : منيرة حمدي ومحسن الرايس ومحمد الجبالي وسلاف وألفة بن رمضان وعفيفة العويني ومحمد احمد وليلى عزيز وعلياء بلعيد وحسن الدهماني وقد واكب حفل التكريم  جمهور غفير من أحباء السيدة نعمة ، كما حضرته وجوه سياسية وثقافية وإعلامية بارزة بالإضافة إلى ثلة من زملائها الفنانين …وقد افتتح الحفل د.مراد الصقلي وزير الثقافة آنذاك بكلمة ترحيبية قال فيها بالخصوص  : تونس تحتفي الليلة بالفنانة الكبيرة السيدة نعمة تقديرا لها ولما قدمته للأغنية التونسية ولأكثر من نصف قرن وأسهمت بالتالي في إثراء المكتبة الموسيقية برصيد غنائي هائل  وقد نقلت الإذاعة التونسية بقنواتها التسع والتلفزة الوطنية الحفل مباشرة .

رصيد غنائي هائل …

في رصيد المطربة الكبيرة السيدة نعمة حوالي (500 اغنية) وقد لحن لها اشهر الملحنين التونسيين الكبارعلى غرارصالح المهدي وخميس ترنان والشاذلي انور وعبد الحميد ساسي. وعلى مستوى العربي تعاونت مع سيد مكاوي من مصر وكذلك سيد شطا الذي اقام طويلا بتونس وحسن العريبي من ليبيا .

 

بقية الأخبار

اتصل بنا

النشرات-الاخبارية

podcast widget youtube

تابعونا على الفايسبوك

spotify podcast widget

مشروع-اصلاح

moudawna

mithek

tun2

talab

maalouma