البث الحي

الاخبار : أخبار وطنية

فى حوار مع مجلة الإذاعة بن صالح يحكي قصة هروبه من السجن

 

لبوابة الإذاعة : عبد الستار النقاطي

توفي يوم الأربعاء 16 سبتمبر 2020 المناضل والنقابي والسياسي احمد بن صالح بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز ال94  عاما . وقد تعرض المرحوم يوم الجمعة 11 سبتمبر 2020  إلى وعكة صحية استوجبت نقله إلى المستشفى العسكري … والفقيد احمد بن صالح ولد بالمكنين يوم 13 جانفي 1926 زاول تعليمه بالمدرسة الصادقية قبل أن يلتحق بجامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس لدراسة الآداب العربية. انطلق في مشواره النضالي منذ الأربعينات من خلال مشاركاته في عدة جمعيات على غرار جمعية الشبيبة المدرسية قبل أن يتولى منصب كاتب عام شعبة الطلبة الدستوريين…سنة 1964 و خلال « مؤتمر المصير  »  للحزب الدستوري الحر اقترح بن صالح على الرئيس الحبيب بورقيبة تبني الاشتراكية كمنوال تنموي و اقتصادي في تونس ، إلا أن تجربة  التعاضد فشلت و أدت إلى مقاضاته و سجنه … سنة 1972 تمكن احمد بن صالح من الهروب من السجن وتوجه إلى الجزائر في مرحلة أولى ثم إلى أوروبا …ويعتبر الأستاذ احمد بن صالح احد جهابذة السياسة في تونس ّ، فقد تحمل بعد الاستقلال وزر ما يقارب سبع  حقائب وزارية وهي الصحة والشؤون الاجتماعية ، ثم أضاف له الزعيم الحبيب بورقيبة وزارة التخطيط والمالية ثم وزارة التجارة والصناعة ثم التعليم … وان حالفه الحظ في البداية إلا أن مشروع التعاضد الذي انتهجته تونس في بداية سنة 1962 كان سبب في « مأساته » اذ انتهى به المطاف في السجن ليهرب منه بعد ذلك في ظروف مثيرة …وتكريما لروحه واعترافا بالجميل لما قدمه لتونس من خدمات ومن تضحيات نعيد في « بوابة الإذاعة التونسية  » نشر الحوار الذي كنت أجريته معه ونشرته مجلة الإذاعة على أعمدتها في شهر مارس2014 .

وبما أن سياسة التعاضد التي انتهجتها تونس  في الستينات وأوكل له الزعيم الحبيب بورقيبة أمر تنفيذها كانت سبابا في سجنه ثم هروبه ، بدأت الحوار بهذا السؤال حتى يتعرف القراء وخاصة شباب اليوم عن تلك الحقبة التاريخية وما حصل فيها …وردا عن هذا السؤال قال : أساس سياسة التعاضد وانطلاقتها كانت برغبة من الرئيس الحبيب بورقيبة فقد كان معجبا شديد الإعجاب بالانجازات التي حققتها في وزارة الصحة من خلال عديد الإجراءات والمكاسب التي انتفع بها المواطنون من خلال بعث الصناديق الاجتماعية وغيرها ويضيف الأستاذ بن صالح : ذات يوم من سنة 1962 هاتفني الرئيس بورقيبة طالبا مني الحضور في مكتبه ففعلت وقد دار بنا حديث طويل وجدال تواصل أكثر من ساعة ليعرض علي حقيبة التخطيط ، وقد حاولت التملص لاني متحمل لمسؤولية ثلاث وزارات أخرى … ولما احتد الجدال أكثر وشعرت بتوتره حاولت تهدئة الأجواء وقلت له لو سمحتم سيدي الرئيس أعطيني مهلة للتفكير وسأجيبكم عن طريق مذكرة فقال لي وعيناه تلمعان كعادته ، كم يلزمك للتفكير فقلت له شهر …عندها ضرب على المكتب بكفه بقوة ثم قال لي بالفرنسية «   d’accort  »  ونهض لينهي اللقاء.

سألته : وماذا حصل بعد ذلك ؟

أجاب : فور مغادرتي قصر قرطاج بدأت التفكير في إعداد برنامج عمل متكامل لوزارة المالية وبعد قرابة شهر تقدمت به  للرئيس الحبيب بورقيبة  وكنت قد استوحيته من البرنامج الذي أعده الاتحاد العام التونسي للشغل في المؤتمر الذي عقده سنة 1956 فقد كنا في الاتحاد دساترة ووطنيين وتهمنا مصلحة تونس العليا وخاصة ونحن في بداية الاستقلال ، كما أن الحزب الاشتراكي الدستوري وقتها لم يكن له مشروع سوى تحقيق الاستقلال وهو ما تحق والحمدلله …وأضاف الأستاذ بن صالح : أعجب الرئيس الحبيب بورقيبة بالبرنامج وسميت على راس وزارة التخطيط وقد وجدت فيها 11 موظفا وشرعنا في إعداد المخطط العشري لتونس ولكني وجدت صعوبات جمة مع وزارة المالية مما جعلني اعبر عن ذلك للسيد الهادي نويرة محافظ البنك المركزي وقتها وطلبت منه التوسط لدى الرئيس بورقيبة ليعفيني من مسؤولية التخطيط …وبعد يومين اتصل بي السيد الرئيبس هاتفيا وخاطبني بالفرنسية قائلا : (vous avez raison …vouz allez voir la responsabilité du ministère de finance…) …ولم يكتف بذلك بل أضاف لي وزارة الصناعة والتجارة والفلاحة ثم التعليم ، أي ما يساوي عشر وزارات يقولها ضاحكا …

فقلت له لنعد إلى مسالة التعاضد … فواصل حديثه قائلا : شرعنا في إعداد المخطط العشري لتونس وشركنا معنا ما يقارب 5 آلاف شخص من كامل تراب الجمهورية للاستئناس بأفكارهم ، كما كنت مشغولا بمهمة أخرى كلفني بها الرئيس الحبيب بورقيبة هي التفاوض مع الفرنسيين لاسترجاع الأراضي التي كان يشغلها المعمرون وقد تمكنت بمعية الزميل المنجي سليم كاتب الدولة للخارجية آنذاك بعد مفاوضات طويلة وعسيرة من استرجاع 125 ألف  هكتار من أراضي المعمرين واعدنا جانبا هاما منها إلى أصحابها الأصليين الذين اغتصبت منهم أيام الاستعمار …وأضاف : كان المدخل في سياسة التعاضد هي تكوين تعاضديات وقد ساعدنا في ذلك ما وجدناه من أراض خصبة في الشمال الغربي استغلها المستعمر في إنتاج الحبوب فقط …وبفضل اقتراحات المهندسين وحماس مالكي تلك الأراضي تمكنا من التغلب على العديد من المصاعب وأحدثنا صندوقا للقروض التعاونية حتى يتمكن صغار الفلاحين الذين لم يدخلوا التعاضد من العمل في أراضيهم وتحويلها إلى مساحات سقوية لإنتاج الخضر والغلال . وكذلك فعلنا مع فلاحي الوطن القبلي فتبلورت الفكرة …وأضاف : وبعد نجاح التجربة في الشمال تحولنا إلى الوسط (القصرين وسيدي بوزيد ) فانشانا مصنعا لتحويل الطماطم وبادرنا بزراعة أشجار الزيتون وأشجار التفاح في سبيبة من ولاية القصرين . وبعدها عقد المؤتمر الأول للتعاضديات وترأسه الرئيس بورقيبة وأصبحت التعاضديات منظمة وطنية على غرار اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة وأمست تضم أكثر من 350 تعاضدية ، فتم بعث المدرسة العليا للتعاضد ، ثم المعهد الأعلى للتصرف ليتنوع التعليم في الاقتصاد بين الاقتصاد الحر والاقتصاد التعاضدي والاقتصاد الفردي وتمكنت بعد مفاوضات مطولة من الحصول على قرض من البنك العالمي قيمته 18 مليون دولار لتيسير عمل الفلاحين والتعاضديات .

قاطعته قائلا : تتحدث عن تجربة التعاضد وكأنها لم تفشل والحال أنها جرت البلاد إلى أزمة اقتصادية وسياسية كبيرة …؟

أجاب : في المؤتمر الأول للتعاضديات تحدث الرئيس الحبيب بورقيبة بإطناب عن نجاح سياسة التعاضد وكان يردد ويقول : ليت لي في تونس 4 أو 5 أشخاص في قيمة احمد بن صالح …لكن ذلك الكلام كان يخيفني لان العديد من أصحاب الأنفس الخبيثة  ومحترفي السياسة والصائدين في الماء العكر كانوا مغتاضين من نجاح تجربة التعاضد فبدؤوا يتحدثون في  » التراكن » عن خلافة بن صالح لبورقيبة …ودون إطالة في الكلام وشاية خلافتي لبورقيبة أفشلت تجربة التعاضد …

وإجابة عن سؤال كيف تمت محاكمته بتهمة الخيانة العظمى قال : بعد فوز الرئيس بورقيبة في انتخابات سنة 1969 وكان قد كلف السيد الباهي الادغم برئاسة الحكومة ،ولما ذهبت لتهنئة قال لي : ( ما تخوش في خاطرك سي احمد يقع هذا في التحويرات الوزارية) …وأضاف : وبعدها وجدت كتابات على أحيط وزارة التخطيط والمالية تنادي باغتيالي فأعلمت بها السيد الباهي الادغم …ولكني بعد مدة وضعت تحت الإقامة الجبرية ، ثم فبركوا لي تحقيقا لفقوا لي فيه تهما باطلة ، ثم حوكمت بالسجن لمدة عشر سنوات أشغال شاقة …

وردا عن سؤال كيف تمت عملية هروبه من السجن قال : بعد المحاكمة انعقد المجلس الأعلى للقضاء برئاسة بورقيبة وتابعته من خلال المذياع الصغير الذي مدني به الحارس حمادي العريبي وقد كان بورقيبة متشنجا في خطابه أمام القضاة وقال : استغرب من الحكم الصادر على احمد بن صالح …كنت انتظر حكم الإعدام …ثم قال : ( لعل فيها خير) لعل حبل المشنقة أفضل من عنقه …ولما سمعت ذلك الكلام أغلقت المذياع وقررت الهروب من السجن

سألته وكيف تم ذلك ؟ 

أجاب : بحت بالسر لشقيقي محمد فنسق مع أصدقائنا في الجزائر ، ثم بحت بالخطة للحارس الأمين حمادي العريبي ويوم 5 فيفري 1972 بعد منتصف الليل خرجت من السجن وركبت في سيارة شقيقي وانطلقنا بسرعة في اتجاه مدينة  طبرقة الحدودية …

وإجابة عن سؤال عن سر تلحفه  » بالسفساري  » أثناء هروبه من السجن قال : « السفساري » لبسته  بطلب من شقيقي محمد  لما اقتربنا من دورية للحرس الوطني وكانت سيارتنا تسير بسرعة فائقة ولما أوقفنا العون مستفسرا عن سر السرعة قال له أخي : أن المرأة تعاني من آلام حادة ونحن في طريقنا إلى المستشفى فتركوا سبيلنا …وصلنا الحدود الجزائرية في الساعة الثالثة صباحا بعد أن قطعنا  » الوادي الكبير » وكان البرد قارسا . ولما اجتزت الحدود بمعية الحارس حمادي العريبي وجدنا الحرس الجزائري على علم بنا وخاطبني احدهم قائلا: مرحبا بك سيدي الوزير ثم أخذونا في سيارة الجيش التي أوصلتنا إلى القصر الرئاسي فاستقبلني الرئيس بومدين بحرارة قائلا بلهجته: « مرحبا بيك أنت راك خونا الكبير » …

عودة إلى ارض الوطن …

 وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ احمد بن صالح كان قد عاد إلى تونس سنة 1988 اثر إصدار العفو عليه من قبل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ، لكنه سرعان ما غادر تونس مرة أخرى بعد رفض الترخيص للحزب الذي أسسه في منفاه  « حركة الوحدة الشعبية » …

وفي سبتمبر سنة 2000 عاد إلى تونس نهائيا وأقام في منزله برادس إلى أن وافاه الأجل المحتوم يوم الأربعاء يوم 16 سبتمبر 2020 .

بقية الأخبار

اتصل بنا

النشرات-الاخبارية

podcast widget youtube

تابعونا على الفايسبوك

spotify podcast widget

مشروع-اصلاح

moudawna

mithek

tun2

talab

maalouma