نجح الزعيم فرحات حشاد يوم 20 جانفي 1946 في توحيد « اتحاد النقابات المستقلة للعمال في كل من الجنوب و الشمال معلنا في مؤتمر انعقد بالمدرسة الخلدونية بالعاصمة عن تأسيس »الاتحاد العام التونسي للشغل ».
في الذكرى الرابعة و السبعين لظهور أول منظمة نقابية في تونس و المنطقة العربية و إفريقيا نعود إلى ظروف التأسيس التي لعب فيها فرحات حشاد دورا محوريا في الحوار التالي مع الدكتور الأسعد الواعر أستاذ فلسفة التاريخ السياسي بجامعة رقاده بالقيروان :
اشتغلت على نصوص و خطابات حشاد قبل تأسيس الاتحاد…لو تقدم لنا فكرة عن هذا العمل ثم ما هي المسائل التي شغلت الزعيم فرحات حشاد من خلال هذه النصوص ؟
اشتغلت على نصوص فرحات حشاد ربما لا، لأن الأصحّ أنني جمعتها في معنى أنني قد أصدرت سنة 2014 كتابا عنوانه » فرحات حشاد، المقالات، ج. 1- (1938- 1947) » جمعت فيه حوالي 230 مقال كتبها ونشرها الراحل حشاد في مختلف الصحف التونسية مثل » تونس سوسياليست » (ناطقة باللسان الفرنسي)، الزُهرة، ثم جريدة » صوت العمل » لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل.
أنا الآن بصدد إنهاء الجزء الثاني من نفس ذاك الكتاب وسيكون تجميعا وترجمة للمقالات التي نشرها بين سنتي 1948- 1949 وعددها أيضا حوالي 200 أو أكثر بقليل.
سأحاول نشره في شهر مارس 2020 لأنني بصدد وضع اللمسات الأخيرة عليه. بعده سأجمع المقالات الصادرة من 1950 إلى سنة 1952 لنحصل في النهاية على أكثر من 700 مقال كتبها فرحات حشاد » بدمه » (الكلمة للفيلسوف نيتشه) طيلة حياته القصيرة، وهي نصوص خالدة بالفعل.
أنا وفرت المادة الخام وعلى التونسيين أن يشتغلوا عليها لاكتشاف ذواتنا من خلال اكتشاف كتابات فرحات حشاد العلمية.
أما المسائل التي شغلت فرحات حشاد فهي عديدة جدا، كان يعتني بكل ما يهم تونس سيادتها واستقلالها السياسي، تعليمها، اقتصادها، تحرر المرأة، العدالة الاجتماعية الخ.
وهي مسائل رأى حشاد أنها لن تكون مجدية عمليا إلا إذا جعلناها كلها تدور حول محور واحد هو النقابة. اعتقد حشاد أن لا تحرر سياسي أو اجتماعي أو غيرهما الا بتحرير العامل من الاستغلال الرأسمالي الشنيع.
كيف نظر حشاد إلى مسالة التنظيم العمالي التونسي صلب النقابات الفرنسية ؟
انخرط حشاد سنة 1936 في النقابة الفرنسية الس. ج. ت. الفرنسية حيث تعرف على النقابي الفرنسي ألبار بوزنكي الذي بدأ معه تعلم تقنيات العمل النقابي وكان ذلك في » شركة النقل الساحلية » بسوسة.
سنة 1938 أسس نقابة أساسية بتلك الشركة وكان كاتبها العام وجرى كل ذلك في سياق الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية. لكن سرعان ما تفطن أنّ تلك الجامعة تميّز بين العمال الفرنسيين والعمال التونسيين مع ما يحيط بكل ذلك من روح » استعماري نقابي » فقرر النأي بنفسه عن تلك المنظمة وقام بتأسيس نقابة تونسية وكان له ذلك سنة 1944 حين أسس بصفا قس » اتحاد النقابات المستقلة للعمال بالجنوب » ثم سنة 1945 حين أسس بتونس العاصمة » اتحاد النقابات المستقلة بالشمال » ثم كان الحدث الأبرز في تاريخ تونس بأسره وهو جمع اتحاد الشمال واتحاد الجنوب في منظمة واحدة التي أصبحنا نسميها منذ 20 جانفي 1946 » الاتحاد العام التونسي للشغل » . نرى أنّ حشاد لم يكتف بالانسحاب من المنظمة النقابية الفرنسية بل اسس نقيضها أصلا وهو ما جعل الاتحاد ليس فقط منظمة نقابية صرفة بل منظمة سياسية بأتم معنى الكلمة دون أن تكون منظمة نقابية متحزبة.
كيف ساهمت الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في تلك الفترة في فتح الباب أمام تأسيس تنظيم نقابي تونسي ؟
لا أعتقد أنّ انهيار فرنسا في الحرب العالمية الثانية كان له أثر كبير في تأسيس منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل بل في اعتقادي يعود التأسيس إلى عبقرية حشاد إذ لنا أن نسأل : لو كان الأمر متعلقا بمجرد انهيار فرنسا في تلك الحرب فلماذا لم تظهر النقابات الوطنية في سائر المستعمرات الفرنسية وظهرت فقط في تونس؟ لماذا لم تظهر مثلا في الجزائر أو المغرب أو سائر المستعمرات الفرنسية بسائر الدول الإفريقية ؟ الأمر لا يعود فيي اعتقادي إلى سبب موضوعي بل إلى سبب ذاتي وهو شخصية فرحات حشاد، أعني ذكاؤه الحاد وتملكه لزمام العلم. لذلك أرى أنه قد آن الأوان في تونس لمقاربة حشاد ليس فقط من زاوية علم التاريخ كما هو سائد إلى الآن بل من زاوية نظر علوم أخرى وأفكرهنا في علم الاجتماع والعلوم السياسية بل وحتى من وجهة نظر اللسانيات أيضا. لقد ذكرت للتوّ أنه يمتلك أكثر من 750 مقال أغلبها شديد التعقيد علميا.
حسب رأيك لماذا نجح حشاد فيما فشلت محاولات سابقة لتأسيس تنظيم نقابي عمالي تونسي ؟
ذكرت أن الأمر متعلق بفكر حشاد وليس بالظروف التاريخية التي يقال أنها قد أوصلت حشاد إلى النجاح. حشاد نجح في ضمان حياة الاتحاد العام التونسي للشغل في حين اندثرت 4 منظمات نقابية بتمامها وكمالها. علينا فهم » فكر » حشاد، أي تفكيك ما فكر فيه أو إن شئنا نفكر في ما فكر فيه حشاد لنعرف سر نجاحه.
الى جانب فرحات حشاد من هم النقابيون الآخرون الذين كان لهم دور فاعل في توحيد النقابات التونسية و تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل؟
نعم هناك شخصيات نقابية أخرى كانت تحيط بحشاد، ، كالنوري بودالي و الصادق الشايبي و الحبيب عاشور وآخرون. المؤسسون الأُول الذين عوّل عليهم حشاد وأحسن التنظيم بينهم هم اسماء كبرى دون شك رغم أن » النسيان المتعمد » قد حاول طيّها. لو نجحنا في الكشف عن عمق حشاد فسنكتشف أثناء ذلك شخصيات نقابية و وطنية بالتمام والكمال ولنا أن نفخر بهم كلهم.
من خلال مؤتمراته الأولى ماهو موقف اتحاد الشغل من المسالة السياسية و خاصة الحركة الوطنية بقيادة الحزب الحر الدستوري هل فعلا ان المؤسسين ابتعدوا او اجلوا العمل السياسي الى حين استكمال بناء المنظمة ؟
حشاد كان ديمقراطيا إلى أبعد حدّ، في الهيئات العليا للاتحاد كان يوجد نقابيون من شتى المشارب والعائلات السياسية من اليمين، من اليسار، من الحزب الحر القديم ومن الحزب الحر الجديد الخ. الاتحاد لم يكن متحزبا وان كان » متسيسا « ن المهم في الشخصية المنتمية له ن تكون وطنية وصادقة، والمهم أن تفرزها الانتخابات الداخلية. حشاد كان حريصا كل الحرص على تلك المعيارية المجردة، دون غيرها، للمنتمين إلى الهيئات العليا
كيف كان وقع اغتيال حشاد سنة 1952 على اتحاد الشغل و على العمل النقابي عموما في تونس ؟
قلت سابقا أنّ حشاد كان ديموقراطيا وإحدى جوانب الديموقراطية في عمله بناء مؤسسات الاتحاد. اغتياله كان رجة كبرى دون شك لكن المؤسسات التي أرساها داخل الاتحاد ظلت حية ولم تمت بموته لأنه لم يشأ أن تكون منظمته مشخصنه رغم كونه مؤسسها الأوّل.
بعد أكثر من 70 سنة على تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل يرى البعض ان هناك تقصير من الباحثين في دراسة المسالة النقابية في تونس في مختلف أبعادها الس و الاق و الاج /هل توافق هذا الرأي و ماهي مقترحاتك ؟
في تونس لنا مع الأسف تقصير في كل ما هو علمي. لا شك أنّ أساتذة التاريخ الجامعيين قد كتبوا عن حشاد لكنهم كانوا وحيدين في عملهم، وكما قلت علم التاريخ كان منفردا، أي دون معاضدة علوم أخرى في فهم فكر حشاد. على أية حال المجال مفتوح الآن، يكفي فقط أن نشمر على ساعد الجدّ.
كيف تنظر الى المنظمة الان و ماهو الدور الذي يمكن ان تلعبه في علاقة بالاوضاع عامة في البلاد ؟
منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل وُلدت لكي لا تموت ولن تموت أبدا، وأقول ذلك ليس من باب الحماس ولكن من موقع معرفتي لما تركه لها حشاد من تحديد علمي لمبادئ العمل ومناهجه ومواضيعه، وتلك المسائل قد أعود لبسطها في مقال مطوّل. أجرى الحوار : ثامر الزغلامي
