البث الحي

الاخبار : أخبار ثقافية

mustapaha filali مصطفى الفيلالي

الراحل مصطفى الفيلالي …أول مدير للقسم العربي بالإذاعة

فقدت تونس يوم الأحد 20 جانفي 2019 ، واحد من ابرز رجال الدولة الكبار ، وهو الأستاذ مصطفى الفيلالي ، الذي وافاه الأجل المحتوم عن عمر يناهز97 سنة وكانت للفقيد مسيرة طويلة ومتنوعة فهو الإعلامي و السياسي والنقابي ، والباحث والأديب ، وقد كان أول من تولى إدارة الإذاعة التونسية (القسم العربي) سنة 1955 ،بعد أن نالت تونس الاستقلال الداخلي ، وقد عمل فيها قبل ذلك مذيعا وصحفيا ، كما كان أول من تولى حقيبة وزارة الفلاحة بعد الاستقلال ، ثم وزارة الأخبار والشؤون الثقافية …ولد الفقيد سنة 1921 بسيدي علي نصر الله من ولاية القيروان ودرس التعليم الثانوي في المدرسة الصادقية بتونس ، والتعليم العالي في مدرسة  » السوربون  » بفرنسا ، حيث تحصل على الأستاذية في الآداب العربية وبعد عودته إلى تونس اشتعل أستاذ للآداب والفلسفة بالمدارس الثانوية … سنة 1956 كان أول من تولى حقيبة وزارة الفلاحة بعد الاستقلال وساهم من منصبه في تونسة الأراضي، كما اتخذ قرار إلغاء نظام الأحباس …في غرة أكتوبر سنة 1957 كلف بحقيبة الأخبار والشؤون الثقافية خلفا لعبد الله فرحات ، واستمر فيها إلى ديسمبر 1958 ثم غادر الحكومة ومن أكتوبر سنة 1971 إلى أكتوبر سنة 1972 شغل منصب مدير الحزب الاشتراكي الدستوري.

وانتخب الفيلالي أيضا عضوا في المجلس القومي التأسيسي عام 1956 عن دائرة القيروان كما انتخب في مجلس الأمة سنتي 1959 و1964 …وأثناء الحوار الوطني في ديسمبر 2013 اقترح اسمه كرئيس للوزراء ، إلا أنه بعد قبول مبدئي لتولي المنصب رفض في النهاية لدواعي صحية … أما على المستوى الدولي فقد عمل الفيلالي مديرا لمكتب المغرب العربي لمنظمة العمل الدولية ، كما عمل في مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ، والى جانب أنشطته السياسية والنقابية يعتبرمن بين المفكرين التونسيين وله بحوث ودراسات وعدة كتب منها « الإسلام والنظام الاقتصادي الجديد » و » المغرب العربي الكبير ونداء المستقبل » « مجتمع العمل  » و »موائد الانشراح » .. وله أيضا العديد من المقالات المتنوعة منذ سنة 1945 في مجلة « المباحث » لصاحبها محمد البشروش كما صدرت له العديد من الدراسات حول  » العشائر » إضافة إلى ولعه بكتابة القصة فكانت قصة » مانعة  » التي صدرت عن دار الجنوب هي باكورة أعماله …
وتجدر الإشارة إلى أن الراحل مصطفى الفيلالي كان قد تحدث عن توليه إدارة الإذاعة التونسية ( القسم العربي) في حوار أجراه له الزميلان الحبيب جغام ورضا بوقزي سنة 2008 ونشر في الكتاب الأول للإذاعة التونسية ، الذي صدر بمناسبة المهرجان الأول للإذاعة التونسية (4/5جوان) سنة 2008 … ولمزيد تعميم الفائدة ننشر لكم أهم ما جاء فيه
وقبل بداية الحوار قال : أنا مسرور جدا ومتأثر لوجودي في هذا المكان (ويقصد مبنى الإذاعة التونسية بشارع الحرية ) الذي دخلته لأول مرة قبل 50 سنة ، ولم يكن الدخول متيسرا وسهلا لأنه كان علينا أن نسترجع هذه الوسيلة الفذة من أيدي الفرنسيين الذين كانوا مسيطرين على البلاد.
عن بداياته كمذيع في الإذاعة سنة 1941 عندما كان مقرها في ساحة العملة قال: قبل التحاقي بالإذاعة التونسية كانت لي تجارب أخرى اعتز بها ففي زمن الاحتلال الألمان لتونس كانت لي تجربة مع سي محمود المسعدي وسي رشيد إدريس ومجموعة أخرى بحيث أنشانا إذاعة تونسية للتعريف بالقضية الوطنية ، وذلك بالاتفاق مع القائد الألماني  » راهين » ثم جاءت فترة انتدابي بالإذاعة التونسية ( القسم العربي) حيث كنت مع سي محجوب بن ميلاد أستاذ الفلسفة ومع سي عبد العزيز العقربي رجل المسرح والغناء ، وعبد العزيز العروي الذي بدا قبلنا مع الفرنسيين (ويقصد أثناء تأسيس الإذاعة في أكتوبر سنة 1938) في تقديم برامج الأدب الشعبي ، وكذلك سي نورالدين بن محمود الذي التحق في ما بعد ، ولكن كنا نحن الثلاثة في القسم العربي ، وكنت أيامها اخرج على الساعة الرابعة صباحا من مقر سكناي برادس لأذهب إلى مقر الإذاعة الأول ( ساحة العملة)حاليا لنترجم الأخبار من الفرنسية إلى العربية ونتولى تقديمها …وهكذا ينتهي يومنا في السادسة صباحا بعد أن نكون قد استوفينا نشرة الأخبار والتعاليق… وأضاف لان البث يبدأ في الساعة الخامسة والنصف صباحا بعد القران الكريم إلى الساعة السابعة صباحا ثم يتوقف ليعود في فترة ثانية فيها الغناء في الساعة العاشرة إلى منتصف النهار لتعود الأخبار باعتبار انه لم تكن هناك فترة مسائية ، ثم انقطعت لأعود إلى التدريس كأستاذ في اللغة العربية ، وذات يوم من سنة 1954 طلب مني السيد الباهي الدغم ترك التعليم والانتقال إلى تسيير الإذاعة .

وإجابة عن سؤال حول ابرز حدث قام بتغطيته ونقلة إذاعية عاشها مع الإذاعة قال: كان ذلك سنة 1950/ 1952 وهو الانشقاق الذي حصل دخل الحزب الحر الدستوري التونسي بين الرئيس الحبيب بورقيبة والزعيم صالح بن يوسف ، انعقد المؤتمر في صفاقس من 15الى 19 نوفمبر سنة 1955وكلفت كمدير للإذاعة بتغطيته ، باعتباره كان حدثا هاما سواء على المستوى الداخلي نظرا لذلك الانشقاق بالإضافة إلى وجود ملاحظين أجانب من مصر وفرنسا وبلدان أخرى ، ومن هذا المنطلق كان حضور الإذاعة أساسيا ، وبما أني أستاذا في الآداب وأحسن اللغتين ، كلفت أيضا بالترجمة الفورية في المؤتمر وكانت تلك أول تجربة لي كصحفي وكإذاعي … أما الحدث الثاني فكان في بداية سنة 1956 عندما بدا الإعداد لانتخاب المجلس القومي التأسيسي ، فقد كان حدثا هاما وحاسما ، وكان لابد أن نغطي بعض المناطق في الحملة الانتخابية للجبهة الوطنية قدر الإمكان وبما لدين من وسائل .
وبخصوص الصعوبات التي اعترضته كمدير للإذاعة سنة 1955 قال : كانت أهم الصعوبات هي المفاوضات التي أجريتها بمعية سي الحبيب الشطي مع السلط الإذاعية الفرنسية وبعد نقاشات مضنية تمكنا من إمضاء اتفاقية تم بموجبها تكليف مدير فرنسي( للقسم الفرنسي) وتوليت أنا إدارة للقسم العربي ، وكان الأمر مشتركا فيما يتعلق بالجانب التقني …أما الصعوبات الكبيرة الأخرى ، فكانت تتعلق أساسا بالإطارات الفنية التونسية وعلى سبيل الذكر كانت مهمتي كمدير للقسم العربي اعمل أيضا كمذيع وكمترجم للأخبار فلم تكن هناك نشرة أخبار باللسان العربي ، كنا نأخذ نشرات الوكالات الأجنبية ونترجم ما يختارها المدير الفرنسي لا ما أريده أنا ، كنت آلة مسخرة للترجمة وللتقديم فقط دون رأي أو اختيار في ما يذاع أو يقال … مع العلم بأن السيد مصطفى الفيلالي غادر الإذاعة، حيث سمي وزير للفلاحة في 14 افريل سنة 1956 .
أما الحوار الثاني الذي خص به « مجلة الإذاعة » ونشر في (العدد 33 ) ديسمبر سنة 2012 وأجرته الزميلة أحلام المساحلي ، وتمحور جزء منه بالخصوص حول المجلس الوطني التأسيسي الذي كتب دستور الجمهورية الثانية ، بما أن الأستاد مصطفى الفيلالي كان ضمن أعضاء المجلس القومي التأسيسي الذي انتخب في 25 مارس سنة 1956 وصاغ دستور1جوان سنة 1959 ، وإجابة عن سؤال حول وجوه التشابه والاختلاف بين المرحلة السابقة و المرحلة الحالية بما انه واكب المرحلتين قال : بروح الشباب دخلت المجلس القومي التأسيسي، كانت تميزنا آنذاك روح  » غضبية  » ضد النظام الفرنسي فكانت أجواء الحماسة والإرادة الصماء لإنشاء دولة الاستقلال ، هي التي تسود نقاشات المجلس آنذاك …وكم كنت سعيدا وأنا أواكب الجلسة الافتتاحية الأولى للمجلس الوطني التأسيسي( يوم 22 نوفمبر2011). الحقيقة أقول لك إنني خرجت من الجلسة وأنا متفائل ومطمئن على مستقبل تونس خاصة مع وجود روح الشباب .
أما ما يجب تلافيه عند صياغة الدستور الجديد لتكون الجمهورية الثانية مكتملة الملامح خاصة وانه اقترح في وقت سابق مراجعة دستور1959 وعرضه على الاستفتاء قال :
أن لا ننحرف عن أهم مقومات الديمقراطية ، وهي الفصل بين السلطات الثلاث ، فيما بينها وأيضا الفصل بين هذه السلطات والسلطة الرابعة أي الإعلام … ولا يجب السماح بأي إمكانية عند صياغة الدستور الجديد لان تجتمع هذه السلطات في يد رجل واحد ، السلطة التنفيذية يجب أن تكون مسؤولة لدى السلطة التشريعية… لكن في المقابل يجب أن لا يشكل التفريق بين السلطات تضاربا بينها بل يجب أن تكون متعاونة ومتكاملة .
وبخصوص رأيه حول أي نظام انسب لتونس، رئاسي أم برلماني أم رئاسي معدل أجاب :
المجتمع العربي عموما مطبوع بطبع  » العروشية والقبلية  » ، ومن هذا المنطق العروشي الذي ينتمي إلى العصبية يجد صورة له في النظام الرئاسي وهو مالا أحبذه ، لذلك أرى أن النظام البرلماني انسب لتونس لكن بشرط أن يكون للسلطة التنفيذية هامش من الحرية وان لا تجد نفسها دائما تحت ضغط البرلمان بمعنى أن يتولى البرلمان مهمة مراقبة السلطة التنفيذية دون التضييق عليها وتكون المحاسبة بعد ظهور النتيجة.
وإجابة عن سؤال حول هل إن دستور1959 اشتمل على كل مقومات النظام الجمهوري وما هي الأخطاء التي سقط فيها أجاب :
أولا في اعتقادي أن النظام الجمهوري له مقتضيات لم يلتفت إليها نص دستور 1959، وهو بالأساس التفريق بين السلط ، فالسلطة التنفيذية تغلبت على السلطة التشريعية ، نظرا لعدم وجود آليات للتفريق بينها ولم ينصص دستور 1959على موانع لقيام الحكم الفردي ولدرء خطر الاستبداد وقد وقعنا في الحكم الفردي والاستبداد بالرأي ، بعد أن أخللنا بعلوية مبادئ نص الدستور وعلوية هذه الأحكام على باقي القوانين ، ذلك أننا جعلنا التمتع بالحريات مشروطا بأحكام القانون ، فنجد دائما عبارة « حسب ما يضبطه القانون »..والحقيقة أن الدستور يجب أن يكون هو مرجع القانون.. كما أن دستور 1959 لم يلتفت إلى الجهات وجعل كل السلط متمركزة في العاصمة وهذا ما نعاني من تبعاته إلى اليوم .
وبما انه كان أول من تولى حقيبة الفلاحة بعد الاستقلال وكيف كانت الخيارات الأساسية في ذلك القطاع آنذاك وما هو الشيء الذي بقي خالدا بذهنه قال :
أذكر أنه عندما توليت حقيبة الفلاحة تم إنفاق نصف ميزانية الوزارة وقتها لاقتناء أدوية لمقاومة آفة الجراد حتى أن بعضهم سماني « وزير الجراد » قالها ضاحكا … وأضاف : عندما دخلت وزارة الفلاحة وجدت ثلاثة تونسيين فقط (الشاوش والسائق والمترجم الهادي السبعي) وبقية من يشتغل بها من الفرنسيين ، ولما خرجت منها لم اترك فيها أي فرنسي، كما واجهتني بالوزارة العديد من العراقيل منها بالخصوص الأوضاع العقارية التى كانت مشوشة ، والإطارات التونسية مفقودة، كما كانت هناك مساحات كبرى من الأراضي في شكل هلال ، تمتد من غابة سليمان بالوطن القبلي إلى زغوان فبنزرت وتمسح نحو( 900 ألف هكتار) ومعظم الأحباس الخاصة موجودة في هذا الهلال ، من عهد خير الدين باشا نهاية القرن التاسع عشر، وهي مجمدة وضعيفة الجدوى المالية والاقتصادية ، وجدت فقط لتمويل مستشفى عزيزة عثمانة والتعليم الزيتوني والصادقية ، لم يكن حينئذ من السليم في التصرف الاقتصادي أن تبقى هذه الأحباس لأنها تعاني من الإهمال ، فقمنا بإلغاء هذه الأحباس، بعد أن رصدت الدولة ميزانيات للصحة والتعليم، كما قمنا بتنظيم العقارات والأراضي خاصة وانه كان هناك عدد كبير منها أراضي العروش كما كانت هناك أراضي بيد الفرنسيين … ويبقى بالنسبة إلي أهم انجاز افتخر به وقد بقي إلى اليوم هو المدرسة العليا للفلاحة التي تأسست سنة 1905 ، ولم يتخرج منها إلى غاية 1956 إلا 35 مهندسا تونسيا فقط ، بينما تخرج منها في الفترة نفسها  » 1500″ مهندسا فرنسيا وهو الإشكال الذي اعترضني عندما أردت توظيف مهندسين لاستصلاح الأراضي التونسية آنذاك ، فلم أجد العدد الكافي ولما راجعت القانون الأساسي للمدرسة ، باحثا عن سبب قلة عدد المتخرجين التونسيين وجدت أن الدخول إليها عن طريق مناظرة، العربية فيها مادة اختيارية ، فأدخلت تعديلا على هذا القانون لتصبح العربية مادة إجبارية عند اجتياز المناظرة وقد استحسن ذلك الرئيس الحبيب بورقيبة وقال لي ذلك ما ينص عليه الفصل الأول من الدستور.
وإجابة عن سؤال حول السبل الكفيلة لتحقيق مساهمة قطاع الإعلام الفعلية في نحت المسار الديمقراطي من منظوره خاصة وانه تحمل حقيبة هذا القطاع الاستراتيجي في فترة بورقيبة قال :
نعم لقد تحملت حقيبة وزير الأخبار وشغلت منصب مدير الإذاعة في فترة الاستقلال الذاتي ، بالنسبة لي أرى أن الإعلام يتكون من شقين:  » ماكينات  » وأشخاص كما أن الإعلام صنعة وأخلاق ، ولكن ما لاحظته بعد ثورة 14 جانفي 2011 ، أن العديد من الإعلاميين تنقصهم الصنعة ويفتقدون إلى الحرفية فيسوقون المعلومة دون التحري في مصداقيتها ، وهذا لا يخدم المسار الديمقراطي … كما أن الحياد واجب وأكيد وعلى الأحزاب السياسية آن تقوم بدوها في رسم ملامح إعلام حرّ ومتطور.

بوابة الإذاعة التونسية : عبد الستار النقاطي

بقية الأخبار

اتصل بنا

النشرات-الاخبارية

podcast widget youtube

تابعونا على الفايسبوك

spotify podcast widget

مشروع-اصلاح

moudawna

mithek

tun2

talab

maalouma