البث الحي

الاخبار : أخبار اقتصادية

الطاقة

الطاقات المتجددة في تونس: بداية صحوة وتأخر من الضروري تداركه

أطلقت وزارة الطاقة، إثر مرور خمسة أيام، فقط، على إسناد تصاريح لانجاز 10 محطّات لتوليد الطّاقة من الطّاقات المتجدّدة (منها 4 محطات بطاقة 1 ميغاواط و6 بطاقة 10 ميغاواط) وتوقيع عقود الشراء مع الشركة التونسية للكهرباء والغاز، طلبي عروض لاختيار مبدئي للمستثمرين، الذين يمكنهم، في إطار لزمات، إنجاز 8 محطّات أخرى لتوليد الطاقة باعتماد الطاقات البديلة بطاقة جمليّة تقدّر ب1000 ميغاواط.
وتم توجيه طلب العروض الأوّل الى باعثي محطّات الطّاقة الشمسيّة (5 محطات) بطاقة جملية تقدّر ب500 ميغاواط فيما تعلّق طلب العروض الثاني بإنجاز محطّات لتوليد الطاقة باعتماد طاقة الرّياح بطاقة 500 ميغاواط.
« إنها المرة الاولى في تونس، التّي يتمّ فيها إطلاق مشاريع بهذا الحجم. وستساعدنا هذه المشاريع على الحد من العجز الطاقي ودعم الامن الطاقي والمساهمة، أيضا، في تحقيق النمو »، ذلك ما صرّح به وزير الطّاقة والمناجم والطاقات المتجددة، خالد قدور، بكل تفاؤل.
لقد اعتمدت تونس، منذ سنة 2016، إستراتيجيّة تحوّل طاقي تعتزم من خلالها إرساء الظروف المناسبة للقيام بانتقال تدريجي ومعتدل للنظام الطّاقي الحالي. ولا تستهدف هذه الاستراتيجية الانفصال السريع والفجئي عن شبكة الطاقة التقليديّة (نفط وغاز) وإنما تنويع مصادر الطّاقة وتنمية الطّاقات المتجدّدة وخصوصا الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح وكذلك الاستغلال الامثل لمكامن النجاعة الطاقية.
وترنو تونس، على المدى البعيد، وفي إطار التزاماتها الدوليّة من أجل المناخ، إلى وضع أسس اقتصاد أخضر في أفق 2050. وكان بالإمكان تحقيق هذا الهدف وأهداف أخرى في مجال الطاقة في وقت أبكر لو تعاملت الدولة بكل جديّة مع قضيّة تفاقم العجز الطاقي وارتباط التزويد بالخارج ولو عملت على اعتماد الطاقات المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية على نطاق اوسع.
وعلى عكس دول أخرى على غرار المغرب، التي تمكنت من إنجاز أكبر محطة شمسية في العالم، هدفها تأمين 2000 ميغاواط في أفق 2020، والرأس الأخضر، الذّي حقق إنتاجا قياسيّا من الطاقات المتجدّدة أو كوستاريكا، التي توشك على التحرر تماما من الطاقة الاحفورية، وتعلن نفسها كأوّل بلد في العالم خال من الكربون، تستغرق تونس الكثير من الوقت لتعديل مزيجها الطاقي والتحكم في العجز الطّاقي بسبب غياب قرارات استراتيجية ونقص الطموح وتعطل المخطط الشمسي، الذّي تم اعداد النسخة الاولى منه منذ سنة 2009.
ويمكن أن تخسر تونس أكثر وتتأخر مرة أخرى، حسب رأي محمد الشيخ، المختصّ في الاقتصاد الكلي والمناصر للطاقة الشمسية والمتابع لتطورات استعمالها على الصعيد العالمي، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي « المخطط الشمسي في تونس 100 بالمائة طاقة شمسية في 2030″.
وتمتلك تونس 100 كلم مربع من الاسطح، التي يمكن تجهيزها بالالواح الشمسية ويمكنها أن توفر للبلاد 17 مليار كيلواط في السنة مقابل استهلاك وطني جملي من الكهرباء يقدّر ب 15 مليار كيلواط في السنة، حسب تقرير « الشركة التونسية للكهرباء والغاز » لسنة 2016.
ويعتقد محمد الشيخ أن « تحويل الكهرباء من المحطات الى المستهلكين يمكن أن يتسبب في ضياع 16 بالمائة من الكهرباء في حين أن التزويد على عين المكان « انتاج واستهلاك » يؤدي الى ضياع 6 بالمائة من الطاقة المنتجة فقط. ويتابع « يجب التفكير في اعتماد مبادئ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لكي يتمكّن أكبر عدد ممكن من السكّان الاستفادة من نعمة الطاقة الشمسية ».
العجز الطاقي لا يترك خيارا لتونس
إنّ التحوّل الطّاقي والانتقال الى الطّاقات المتجدّدة في مناخ عالمي لم يكن ملائما بالقدر الحالي (انخفاض اسعار الطاقة الفوطوضوئية في الاسواق العالمية مع توفر تسهيلات اتفاق باريس حول المناخ)، لم يعد خيارا بالنسبة لتونس، التي تتأتى أغلب احتياجاتها من الطاقة من المصادر التقليدية (97بالمائة) ».
وقد اوصى البنك المركزي التونسي، وعيا منه بهذا الاشكال، في تقرير نشره مؤخرا، بوضع برنامج نجاعة طاقية يقوم على تنويع مصادر الطاقة أي بإستغلال بشكل أكبر للطاقات المتجددة خاصّة الطّاقة الشمسيّة وطاقة الرياح وترشيد استهلاك الطاقة وتسريع نسق الاستثمار في الاستكشاف والتنمية.
وتشهد التكنولوجيات المعتمدة في مجال الطاقة الشمسية انخفاضا في كلفتها بنسبة 80 بالمائة منذ 2009 وبالامكان ان يستمر هذا التراجع بنسبة 59 بالمائة في افق سنة 2025 مما يجعل من هذه التكنولوجيات الاقل كلفة لتوليد الطاقة حسب الوكالة الدولية للطاقات المتجددة.
ويمكن لتونس أن تستفيد من هذا المنحى التنازلي للاسعار والاستثمار أكثر في مشاريع توليد الطاقة الشمسية الفوطوضوئية وبالتالي التقليص من عجزها الطاقي، الذّي صار عجزا هيكليا يثقل ميزانية الدولة، اذ زادت قيمته خلال الربع الأول من 2018 بحوالي 199 مليون دينار (80،4 مليون دولار)، ليصل إلى حوالي 1،3 مليار دينار ( ما يعادل 530 مليون دولار) حسب معطيات البنك المركزي التونسي.
ويمكن لتونس أيضا إذا إتخذت من الطاقات المتجددة خيارا جديّا ان تخفف من عبء دعم الطاقة، الذي ما فتىء يثقل كاهل الميزانية خاصة وانه من المتوقع أن يتجاوز عتبة 2،5 مليار دينار خلال سنة 2018 حسب التوقعات الاخيرة لوزارة الطاقة.
وتساعد الظروف المناخية والجغرافية تونس بتوفر معدل ساعات مشمسة يفوق 3000 ساعة في السنة والكفاءات اللازمة والارضية المناسبة (100 كلم2 من الاسطح) لتركيز الالواح الشمسية وكذلك تحظى بدعم من شركائها مثل منظمة التعاون الدولي الالماني وبرنامج الامم المتحدة للتنمية والصندوق الاخضر وأطراف أخرى في مجال الطاقات المتجددة.
ويمكن لتونس أن ترفّع من إنتاجها من الطّاقة الفوطوضوئية المركّزة، التّي لا تتجاوز حاليا 35 ميغاواط، والزيادة في حصّة الطاقات المتجدّدة في مزيجها الطاقي، الذّي لا يتجاوز 3 بالمائة.
لابد من إقناع المعارضين للطّاقات المتجددة
خلال سنة 2015 حين كان مجلس نواب الشعب يستعد للمصادقة على قانون انتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، كانت هناك امام مقر البرلمان احتجاجات على نص القانون تبنتها نقابة الشركة التونسية للكهرباء والغاز، المنتج والمتصرف الوحيد في الشبكة الكهربائية، ضد هذا القانون، الذّي رأوا فيه تهديدا لوظائفهم. كما كانت لدى نقابة الشركة مخاوف من منافسة الخواص ومن تحرير قطاع انتاج الكهرباء ومن إمكانية أن تكون تكلفة الكهرباء المنتجة ذاتيا أقل من تكلفة تلك، التي تؤمنها شبكة الكهرباء الوطنيّة.
وحذرت النقابة حينها من أن يكون الهدف الرئيسي من القانون « خوصصة هذا القطاع والسماح للمستشمرين الأجانب بتركيز وحدات انتاج طاقة شمسية أو طاقة الرياح خاصة في قبلي من أجل إعادة بيعها فيما بعد للشركة الوطنية للكهرباء والغاز من خلال فرض أسعار باهظة ».
وقال عامر العريض، رئيس اللجنة البرلمانية للصناعة والطاقة والثروات الطبيعية « أنّ البرلمان صادق على القانون، آنف الذكر، في 15 أفريل 2015 بإجماع نسبي (87 صوت نعم و7 ضد و12 احتفاظ) بعد أن وقع تعطيله لمدة طويلة وقد تم إطلاق استشارة وطنية بخصوص نصوصه التطبيقية ». وحسب العريض أصبح اليوم النهوض بقطاع الطاقات المتجددة موضع توافق بين السلط الثلاث، التنفيذية والتشريعية والسياسيّة. وقال النائب ورئيس لجنة الطاقة بمجلس نواب الشعب أن « الدولة التي لا تحقق الاكتفاء الذاتي في قطاع الطاقة هي دولة مستقلة بشكل نسبي ».
وتسعى الشركة التونسية للكهرباء والغاز، اليوم، إلى معاضدة جهود تنمية الطاقات المتجددة وإلى مرافقة المنتجين الخواصّ للكهرباء من الطاقات البديلة، إذ التزمت الشركة بإنتاج 300 ميغاواط من الطاقة الشمسية و80 ميغاواط من طاقة الرياح. ويعكس هذا التوجه وعي الفاعلين في القطاع العام والخاص على حد السواء أن الطاقات المتجددة لم تعد مجرد خيار بل هي توجه استراتيجي لا مفر منه.
ضرورة مراجعة نظام دعم الطاقة
وحذر إطار متقاعد من شركة توزيع الكهرباء والغاز ومستشار دولي، في لقاء عقد مؤخرا حول دور المجتمع المدني في النهوض بالطاقات المتجددة، أنه « إذا واصلنا الاسراف في استهلاك الطاقة دون حدود ودون ترشيد سنجد أنفسنا عرضة لانقطاع الكهرباء و »عتمة كلية » كتلك، التي عاشتها طوكيو سنة 2002 و2016 حيث حرمت آلاف المنازل والمباني والمكاتب والإدارات العامة من الكهرباء جراء الاستهلاك المفرط للطاقة. وكانت تونس قد تعرضت لمثل هذه الحادثة لأكثر من ساعتين بتاريخ 31 أوت 2014.
وأضاف المستشار قائلا بأن « الحق في الطاقة لا يجب ان يكون في متناول الجميع بنفس المستوى الكمي ودون سقف إنما يجب ترشيد وتوجيه الدعم نحو الفئات ذات الدخل المحدود.، لقد حان الوقت لفرض التزام اقتصادي على المؤسّسات المستهلكة للطاقة بشكل كبير ».
وبالفعل كشفت دراسة للبنك الدولي (2013) تحت عنوان « نحو مزيد من العدالة في الدعم الطاقي والاستهداف والحماية الاجتماعية في تونس »، أن الدعم الطاقي في تونس غير منصف ولا يوجه لمستحقيه. وأكّدت هذه الدراسة أن أصحاب الدخل المحدود لا يحظون سوى ب13 بالمائة من مصاريف الدعم الطّاقي في تونس بينما يتمتع الأفراد ذوي الدخل المرتفع ب29 بالمائة من هذا الدعم.
وقد تستفيد تونس من مراجعة منظومة الدعم الطاقي في إطار التحوّل الطاقي، الذي أصبح اليوم ضرورة نظرا لمخاطر التزوّد متفاقمة في ظل ظروف جيوسياسية غير مستقرّة

بقية الأخبار

اتصل بنا

النشرات-الاخبارية

podcast widget youtube

تابعونا على الفايسبوك

spotify podcast widget

مشروع-اصلاح

moudawna

mithek

tun2

talab

maalouma